تعديل

اللغات السامية

اللغة الحبشية 
من كتاب تاريخ اللغات السامية 
 لجودة محمودالطحاوى


لعل من امتع الابحاث التى يستلذها الانسان فى بحثه عن اللغات السامية – هذا الحديث الشهى عن اللغة الحبشية وتاريخها واطوارها وظنى ان السبب فى ذلك يرجع الى هذا العهد القصير الذى تمت فبه معلوماتنا عن هذه الدول العظيمة .فان الاثار الشاهدة لدى النفس وقرب تاريخها ما يجعلها حلوة المذاق خفيفة المئونة . زد على ذلك ان هذه اللغة الحبشية التى سنتحدث عنها هى الضالة المنشودة فى حلقات اللغات السامية عامة والعربية خاصة او بعبارة اصح هى نقطة الاتصال بين ما ضينا المجيد وحاضرنا الباهر القوى من حيث اللغة والآداب ولكنها على ما فيها من قرب الصلة ومتانة التركيب والمحافظة على الاوضاع السامية – ترينا كيف يتاثر الانسان بالمحافظة والجوار والعقيدة والادب حتى يصبح جنسا غير جنسه الاصلى وتركيبا عجيبا لا يتلاءم مع مزاجه وقوته الاولى الغريزية .
للتاريخ الحبشى صيغة خاصة تميزه عن سائر التواريخ القديمة وان كانت ذات حضارة ومدنية قديمة قلما تتاح لاخواتها الساميات ساكنات الصحارى والقفار- تلك الصيغة هى انقطاع اخباره قبل الميلاد . فان احدا من المؤرخين لايزعم انه يعرف من امر تلكم البلاد شيئا على التحقيق الا ان امة ( الآغو )  الحامية كانت منتشرة فيها على غير نظام .
ولكنا اذا اخذنا بالفرض والمقايسة وجارينا علماء الطبيعة والجغرافيا فى هذا المبحث فانا نقول : ان هذه البلاد الحبشية كانت متصلة يوما بالبلاد اليمنية وكانت خاضعة لملوك اليمن وافيله
ولما طغى البحر وانفصلت هذه البلاد اصبح لاهلها صبغة خاصة ومميزات تبعدهم كثيرا عن اصلهم السامى القوى، وفى الوقت نفسه تحفظ لهم خصائص لغتهم وقواعدهم الثابتة 

وما حدا العلماء الى تقرير هذه الحقيقة الا انهم وجدوا اللغات السائدة فى بلاد الحبشة واللهجات المفرعة عنها انما ترجع الى خصائص اللغات السامية فى استقامتها وتصرفاتها وتراكيبها وكثير من مفرداتها وخطوطها
وعرف هؤلاء الساميون الذين قطنوا تلكم الجهات وتولوا امرها والسيادة فيها (بالجعزيين ) اى الاقوام الاحرار الاماجد،
ويالها من تسمية ولقب يحمل بين عطفيه مخايل الشرف ونبالة المحبد فكانت لغتهم تسمى ( الجعزبة ) وكانت تستعمل فى الدواويين الرسمية والرسائل والتاليف والطقوس الدينية وكل مظاهر الحياة الادبية 
وظلت هذه البلاد الخصبة الرائعة بعيدة عن الناس حتى اليها قوم من اليهود حوالى القرن الاول قبل الميلاد ، ويختلف المؤرخون اختلافا شاقا فى السبب الذى حمل اليهود الى تلك البلاد والسبيل التى سلكوها فى ذلك
والمعقول انهم فروا من وجه الرومان بعد نكبة فلسطين ، وتخريب معابدهم وتشتيتهم فى طول البلاد وعرضها ونزلوا هذه البلاد عن طريق اليمن واخذوا يبشرون باليهودية بين طبقات الشعب حتى تهود كثير منهم ولاتزال بقية باقية الى الان وتعرف باسم ( الفلاشا )
واعظم اثر لليهود فى التاريخ هذه البلاد الحية هو انهم ترجموا التوراة الى اللغة الجعزية وكتبوها بحروفها ((السباية )) المعروفة وادخلوها بطبيعة الحال الفاظا كثيرة من العبرية الارامية واليونانية فاثرت هذه الترجمات فى ثقافة الشعب وخلقت نوعا من جديدا من التفكير والبحث والمعرفة لم تكن قبل فاحدث ذلك للغة الجعزية ثروة دينية راقية وعلوما وضعية مهذبة وبذلك مهدت السبيل العقلية لدى الحبشان ان يتقبلوا المسيحية التى جاءت الى تلك البلاد حوالى القرن الرابع الميلادى فرسخت اقدامها وبسقت فروعها وآتت اكلها كل حين فى هذه البلاد ولعبت دورا هاما فى المناظرات والمجادلات الدينية والسياسية ان كانت مرتع اساطين اليعاقبة
ويرجع السبب الخقيقى لدخول المسيحية هذه البلاد الى السياسة والاستعمار اكثر مما يرجع الى الدين والتبشيرية وهكذا النصرانية واممها لا تستطيع ان تفرق بين الاستعمار والدين فالسيف فى اليد اليمنى والانجيل فى اليسرى وكثيرا ما يمهد الانجيل وتفاسير العقول لقبول الذل والخضوع والرضا بالدون فيقعالشعب فريسة الاستعمار المشين وهو ما نراه من امم الغرب اليوم ولاسيما الممالك اللاتينيين منها وذلك ان قسطنطين الروم قد ارسل بعثات متتالية لا تفتر فى سبيل التبسير بالدين الجديد فى ظاهر الامر ولكنها تخفى الحقيقة الاستعمارية تحت ثوب من الرياء قلما يثبت امام الحق الواقع ، وتذرعوا فى سبيل ذلك بالمجاملات السياسية والتزلف بانواع الهدايا النفيسة حتى كللت مساعيهم بالنجاح التام ووقعت اليمن وضواحيها فى قبضتهم وهم لايشعرون ومن هذا الوقت بدءوا يتدخلوا فى بلاد الحبشة ويدعون الناس الى الدين الجديد فوجدوا منهم آذانا صاغية وقلوبا لم تتقسمها الاهواء بعد فتمكت الديانة الجديدة وملكت على الناس كل مشاعرهم
واصبحت قانون الجماعة ودستور الحكومة وهذا هو السر الذى يفسر لنا اتصال الدين بالحكومة الحبشة اتصالا منينا حتى انك لاتستطيع ان تميز الملك واعماله من القسس والرهبان ووظائهم وبذلك الفتح الروحانى اكتسب المسيحيون الرومان شبه امتياز ادبى انشأوا بسببه يغيرون من اوضاع البلاد ويتدخلون فى شئوتها السياسية الخارجية حتى فطن اهل اليمن الى نواياهم الخبيثة فانزلوا بمستعمراتهم الوادعة المطمئنة التى لم تبد شغبا ولم تظهر خلافا انزلوا بهم العذاب  والتقتيل على عهد ذى نواس ملك اليمن وهكذا ... سنة الله فى خلقه (( واتقوا فتنة لاتصيبن الذين ظلموا منكم خاصة )) وهذه هى قصة ( اصحاب الاخدود ... التى ورد ذكرها فى القران )
وعندما رسخت اقدام المسيحية فى بلاد الحبشة اخذوا يترجمون الاناجيل الى لغة البلاد وهى ( الجعزية ) واستطاعوا ان يدخلوا كثيرا من المصطلحات الدينية والعلمية والفاظا كثيرة من السريانية واليونانية
فتصور بعد كل هذا حالة اللغة وقد ترجمت اليها التوراة بما فيها من جكم وامثال وتشريعات وتاريخ وفلسفة روحية وكذلك الاناجيل وشروحها ماذا يكون حالها

ولم تزل هذه اللغة قائمة بمهام الدولة والحياة الاجتماعية بكل مظاهرها تستمد قوتها وبقاءها من الاسرة الحاكمة السامية التى كانت تتعصب لها اشد التعصب الى ان عزلت هذه الاسرة واسست اسرة جديدة من القبائل ( الامحارية ) قنطرة بين الساميين والحاميين  حوالى القرن الثالث عشر . وبذلك اخذت اللغة الجعزية تتضاءل شيئا فشيئا الى ان اختفت من عالم التاليف والتدوين والمحادثة على اطوار سنفصلها بعد مقانتها باللغة العربية القديمة وتدرج الخطوط التى كانت مستعملة بهذه اللغة المقدسة .

اللغة واطوارها :-  

تدل الاثار الصحيحة ان اللغة الجعزية كانت متصلة بلغة ( سبأ ) فى اليمن فى قرون طويلة حيث وجدت نقوش تدل على اسم ملك كان يملك اليمن وحضرموت والحبشة وغيرها ، وان هذه القبائل للسامية الموجودة ببلاد الحبشة قد اختلطت بالحاميين ( آغو – الكوشيين ) ودام الصراع بينهم حقبة من الزمن كانت الغلبة فى نهايتها للساميين ...
وظهرت اللغة الجعزية على باقى اللغات واللهجات الحامية واحتلت مركزا فى البلاد الى القرن الثالث عشر الميلادى
واللغة الجعزية فى تركيبها واشتقاقاتها ونوع تصاريفها تشبه اللغة العربية ولا سيما اللغة اليمنية قديما ، وتمتاز الحبشة انها حافظت على اوضاع قديمة للغة السامية الاولى لم تحفظها لغة غيرها
اسرة اللغات السامية 
ومع هذا النسب بين اللغات السامية فاننا نلحظ فوارق بين اللغة الجعزية والعربية تتلخص فيما ياتى :-
             أ‌-          ان اداة التعريف لم تدل فى الجعزية ( مثل السبئية والحميرية ) ولاشك انها من الخصائص التى تدل على حضارة اللغة وؤقيها . وبعض اللغات السامية تختلف فى ذلك اختلافا كبيرا على حسب درجاتها من الرقى والحضارة اللغوية واللسانية ، فبعضها يخلو من اداة التعريف كالجعزية هذه ((والآرامية المتاخرة )) وفى العبرية هى حرف ( ها ) وفى آخر الكلمة من اللغة السريانية توضع حرف ( ا ) للدلالة على التعريف احيانا                          
واختلاف اللغات السامية فى اداة التعريف يدلنا على ان اللغة الاصلية كانت خالية منها وهذه الزيادات لحرف التعريف انما جاءت متاخرة لتحضر اللغة ورقيها
           ب‌-        وكذلك لاتمييز فى الجعزية بين المذكر والمؤنث ولا بين المثنى والجمع وتلك ميزة من خصائص اللغة بعد رقيها . الا ترى ان العبرية لا تسير على قاعدة فى تعرف المذكر والمؤنث ولا بين المثنى والجمع الا فى الفاظ محدودة طبيعية فى التثنية بذاتها كاليدين والرجلين .?
وانظر الى العربية وقد قطعت شوطا محمودا فى المدنية والتهذيب اللغوى الا تراها تحن الى اصلها البدوى وتسير سيرا معكوسا مضطربا فى تميز الاعداد ونحوها فتضع اللفظ المؤنث لمميز مذكر وبالعكس .  
  فهذا وشبهه يدل على خلو الجدة العليا السامية من اداة التعريف والتمييز بين المذكر والمؤنث والجمع وغيره
نجد فى الجعزية الفاظا من الحامية وذلك بطبيعة الحياة الاجتماعية فى تلك البلاد الا انها لا تعدو الفاظا معدودة كبعض الالفاظ الكوشية القديمة الصرفة الا ان القسط الاوفر من الالفاظ الدخيلة على الجعزية راجع الى اليونانية والسريانية والعبرية لتاثر الحبشان بالديانتين الاسرائيلية المسيحية والترجمات المختلفة لكتب الدين التى كانت تحوى شيئا كثيرا من هذا لهذا نجد آثار الاحباش القدماء مدونة فى بطون الكتب باللغة الجعزية التى كان لها السلطان على البلاد الى حوالى القرن الثالث عشر


الخطوط الجعزية:-

اما الخط والكتابة الجعزية فانها اخذت شكلا خاصا تدرجت فيه من غرارة الطفولة والتقليد الى مرتبة الاستقلال ، وذلك فى ثلاثة اطوار طبيعية ، وفى كل دور آثار تدل عليه وتنبئنا بتدرجه وانتقاله :-
v     من خصائص الجعزية الاولى انها لا ترسم الحركات بحروف ، وبعبارة اوضح كانت تعتمد فى خطوطها على الحروف التى تبنى منها الكلمة فقط ولا تعنى بكتابة حركات الاصوات المختلفة من فتحة و... والفرق ظاهر بين الطريقتين وذلك ان الحروف ثابتة لا تتغير على حين نجد الحركات تختلف من لون الى آخر فمن مد الى قصر غير ذلك وهذا الدور فى مجموعه هو الخط اليمنى القديم الذى كان شائعا اذ ذاك
v     اما وقد تحضرت اللغة وارتقت الافكار وتهذب المنطق فمن الطبيعى ا ناهلها يضطرون الى وضع حركات على الحروف التى يشتبه فى نطقها او تكون عوضه للتاويلات وهذا هو الحاصل فى اللغات السامية الآن فاننا نشكل الحروف ونعجمها خشية الالتباس وقد وجهت آثار للغة الجعزية فى الدور . والخطوط فى هذين الدورين كانت تكتب ن اليمين الى الشمال على حسب الخطوط اليمنية القديمة

v     اما الدور الثالث فهو دور الخصائص الواضحة والابتكار المشكور فى اللغة ورسومها وذلك ان بعض اللغات عند ما تتغير الدلالة منها بتغير الحركات فانها اما ان تعمد الى وضع حركات كاملة على الحروف كاللغات السامية الآن ، واما ان تضع حروفا من بنية الكلمة تدل بها على الحركات المختلفة وذلك كاللغات والخطوط الآرية جميعها ولكن الحبش عندما تحضرت لغتهم وتعقدت مناصى التعبير منها عمدوا الى الجمع بين طريفتى الساميين والاريون                                                                        ومن غريب الامر انك تجد الخط فى هذا الدور الراقى قد غير اتجاهه الطبيعى كباقى الخطوط السامية بل سار من الشمال الى اليمين على طريقة الآريين وهذا الدور هو الذى خلط الامر على بعض المؤرخين فزعموا ان خطوط الحبشان ماخوذة من الخط الآرى والحركات اليونانية القديمة . 
مسلة اكسوم
وتعد ( اقسوم ) هى الحاضرة المدنية لدولة الجعزيين ولغتهم آلافا من السنين وفى اطلالها تجد الكنوز الدفينة من اثار اللغة والادب والدين لها فى نفوس الناس هناك من القداسة ما يجعلها تحس اعمق الاحساس انها مدفوعة لذلك بدافع من الحنين الى مقر رفات الاجداد . وهذا ما حال بين المكتشفين ان تصل ايديهم الى مخلفاتهم المقدسة الى الآن 
وبعد ان ظلت لتلك الاسرة الحاكمة وللغتها القداسة الدينية قرونا متطاولة تالفت جماعة من الثائرين ووثبوا على العرش واقصوا الاسرة الحاكمة ونشروا لغتهم بين الجهات والقبائل وعرفت لغتهم باسم اللغة الامحارية وزعموا انهم من نسل نبينا سليمان بن داود عليه السلام وامهم ملكة سبا . وبتغلب الامحارية على الجعزية اخذت الاولى تستفيض على السنة الناس فى التخاطب والمعاملات العامة وانزوت الثانية بين المؤلفين وعلماء الدين ورجال الدولة الرسميين فى البيع والكنائس
وبتغلب الامحارية على الجعزية خوى نجم الحضارة وصوحت اركان المدنية واطبق الجهل بجيوشه على العقول وحدثت فى الافكار وجة ذهنية اشبه ما نكون عند ما استولى برابرة الالمان على الدولة الرومانية الغربية ، وعند ما استولى التتر والمغول على بنى العباس
وما زالت الامحارية تتغلب على باقى القبائل والشعوب الحامية حتى اصبح لها السلطان على كل هذه البلاد وتدخلت شيئا فشيئا فى الدواوين والمكاتبات حتى جاءت البعثات المسيحية فى السنوات الاخيرة فترجمت الكتب الدينية المقدسة واثار العلم القديم الى اللغة الامحارية ليستطيع افراد الشعب ان يقفوا على تفاسير الدين والعلوم بانفسهم وبلغتهم التى يتخاطبون بها ولقد كان فى هذا القضاء المبرم على ما كان للغة الجعزية من آمال فى الحياة والوجود .
ولا تزال اللغة الامحارية هى اللغة الرسمية الى اليوم وبها تصدر الصحف والمجلات والكتب الدينية وانواع الآداب واللغة
ومما تقدم نرى ان الامحارية خليط من الجعزية السامية والحامية البربرية والفاظ غيرها من اللغات الاخرى التى دخلتها كالعبرية والسريانية واليونانية . ولتغلب مفردات اللغات الاخيرة لا نرى اثرا الحروف الحلقية التى هى من خصائص اللغات السامية
وعلى انقاض المدنية الجعزية اليوم تقوم فبيلتان كبيرتان تعتنقان الديانة الاسلامية وتتحادثان بلهجة تقرب فى اوضاعها من اللهجة الجعزية القديمة بشبو بها كثير من المفردات العربية التى دخلت اليهم من الدين الاسلامى والقران الكريم والحديث الشريف لاقامة شعائر الدين ورسومه هناك باللغة العربية
وهاتان المقاطعتان هما اللتان وقفتا فى وجه الامحارية ولم تستطع ان تتغلب عليهما الى الآن وتعرفان باللغة التجرينية والتجرانية

مدينة هرر 

                                                         
وهناك مدينة ( هرر ) يسكنها العرب وتجد فى لغتها احرف الحلق واضحة .

العملة الاريترية









صور من اريتريا









ذكرى فورتو

يحسب للنفوس الابية انها تنتفض يوما ما للتتخلص مما اثقلها وحال دونها والقيام بحاجات النفس الطبيعية ، فالشعوب لها  قيام تماما مثل النفس فى تدرحها فى القومة من النوم فتأملوا
ونحن فى هذه الايام نتذكر فورتو ونتفكر فى احداثها ، ما هو الدافع وراء هذه المحاولة ؟ وما هى الحالة التى دفعت هذه المجموعة الى مثل هذا العمل الذى كانت لا تخفى تبعاته على المجموعة فى حال فشل ,

Twitter Delicious Facebook Digg Stumbleupon Favorites More